فصل: من فوائد القرطبي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الآخرون: يده قدرته لقوله: {أُوْلِي الأيدي والأبصار} [ص 45].
وقيل: هو ملكه كما يقال لمملوك الرجل، هو ملك يمينه. قال اللّه تعالى: {أَوْ يَعْفُوَاْ الذي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النكاح} [البقرة: 237] أي إنه يملك ذلك، وعلى هذين القولين يكون لفظه مشبه ومعناه واحد لقوله: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46] أراد به جنة واحدة. قاله الفرّاء: وأنشدني في بعضهم:
ومنهم يدين قدمين مرتين ** قطعة بالألم لا بالسمينين

أراد منهما واحدًا وسمنة واحدة.
قال وأنشد في آخر:
يمشي مكبدًا ولهزمين ** قد جعل الأرطا جنتين

أراد لهزمًا وجنة.
وقيل: أراد بذلك نعمتاه.
كما يقال: لفلان عندي يدًا نعمة، وعلى هذا القول يكون بعضه تشبيه ومعناه جمع كقوله: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ الله لاَ تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34]. والعرب تضع الواحد موضع الجمع كقوله: {وَكَانَ الكافر على رَبِّهِ ظَهِيرًا} [الفرقان: 55]. {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي كَبَدٍ} [البلد: 4] و{إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ} [العصر: 2] ونحوها، ويقول العرب: ما أكثر الدرهم والدينار في أيدي الناس، ويضع التشبيه أيضًا موضع الجمع كقوله: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} [ق: 24] فأراد الجمع. قال امرؤ القيس:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

يدل عليه:
وقوفًا بها صحبي على مطيّهم

يقول بأنه أخذ الجمع. قال محمد بن مقاتل الرازي: أراد نعمتان مبسوطتان نعمته في الدنيا ونعمته في الآخرة، وهذه تأويلات مدخولة لأن اللّه عز وجل ذكر له خلق آدم بيده على طريق التخصيص والتفضيل لآدم على إبليس، ولو كان تأويل اليد ما ذكروا لما كان لهذا التخصيص والتفضيل لآدم معنى لأن إبليس أيضًا مخلوق بقدرة اللّه وفي ملك اللّه ونعمته.
وقال أهل الحق: إنه صفة من صفات ذاته كالسمع والبصر والوجه، قال الحسن: إن اللّه سبحانه يداه لا توصف، دليل هذا التأويل إن اللّه ذكر اليد مرّة بلفظ اليد فقال عز من قائل: {قُلْ إِنَّ الفضل بِيَدِ الله} [آل عمران: 73] {بِيَدِكَ الخير} [آل عمران: 26] {يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: 10] {تَبَارَكَ الذي بِيَدِهِ الملك} [الملك: 1].
وقال عليه السلام: «يمين اللّه ملأن لا يعيضن نفقة فترد به» وقال عز وجل مرّة وقال: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}.
وقال عز وجل: «وكلتا يديه يمين» وجمعه مرّة فقال: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعامًا} [يس: 71] قوله: {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا} بإنكارهم ومخالفتهم وتركهم الإيمان {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ العداوة والبغضاء} يعني من اليهود والنصارى {كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ} يعني اليهود والنصارى أفسدوا وخالفوا حكم التوراة فغضب اللّه عز وجل فبعث عليهم بخّت نصّر ثم أفسدوا فبعث اللّه عليهم وطرس الرومي ثم أفسدوا فسلّط اللّه عليهم المجوس ثمّ أفسدوا فسلّط الله عليهم المسلمين وكانوا كلما استقام أمرهم شتتهم اللّه تعالى وكلما جمعوا أمرهم على حرب رسول اللّه وأوقدوا نارًا للحرب {أَطْفَأَهَا الله} وقهرهم ونصر نبيه ودينه. اهـ.

.من فوائد القرطبي في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {وَقَالَتِ اليهود يَدُ الله مَغْلُولَةٌ}.
قال عِكْرمة: إنما قال هذا فنْحَاص بن عازُوراء لعنه الله وأصحابه، وكان لهم أموال فلما كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم قَلّ مالهُم؛ فقالوا: إن الله بخيل، ويد الله مقبوضة عنا في العطاء؛ فالآية خاصة في بعضهم.
وقيل: لما قال قوم هذا ولم ينكر الباقون صاروا كأنهم بأجمعهم قالوا هذا.
وقال الحسن: المعنى يد الله مقبوضة عن عذابنا.
وقيل: إنهم لما رأُوا النبي صلى الله عليه وسلم في فقر وقلة مال وسمعوا {مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضًا حَسَنًا} [البقرة: 245] ورأُوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان يستعين بهم في الدّيات قالوا: إن إله محمد فقير، وربما قالوا: بخيل؛ وهذا معنى قولهم: {يَدُ الله مَغْلُولَةٌ} فهو على التمثيل كقوله: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ} [الإسراء: 29].
ويقال للبخيل: جَعْدُ الأنامل، ومقبوض الكفّ، وكَزُّ الأصابع، ومغلول اليد؛ قال الشاعر:
كانت خُراسان أرضًا إذْ يَزيدُ بها ** وكلُّ باب من الخيرات مفتوح

فاستبدلت بعده جَعْدًا أنامله ** كأنّما وجهه بالخلِّ منضوح

واليد في كلام العرب تكون للجارحة كقوله تعالى: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا} [ص: 44] وهذا محال على الله تعالى.
وتكون للنعمة؛ تقول العرب: كم يدٌ لي عند فلان، أي كم من نعمة لي قد أسديتها له، وتكون للقوّة؛ قال الله عز وجل: {واذكر عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأيد} [ص: 17] أي ذا القوّة وتكون للملِك والقدرة؛ قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ الفضل بِيَدِ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ} [آل عمران: 73].
وتكون بمعنى الصلة قال الله تعالى: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعامًا} [يس: 71] أي مما عملنا نحن.
وقال: {أَوْ يَعْفُوَاْ الذي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النكاح} [البقرة: 237] أي الذي له عقدة النكاح.
وتكون بمعنى التأييد والنصرة، ومنه قوله عليه السلام: «يد الله مع القاضي حتى يقضِي والقاسم حتى يَقسِم» وتكون لإضافة الفعل إلى المخبَر عنه تشريفًا له وتكريمًا؛ قال الله تعالى: {ياإبليس مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] فلا يجوز أن يحمل على الجارحة؛ لأن الباري جلّ وتعالى واحد لا يجوز عليه التبعيض، ولا على القوّة والمِلك والنعمة والصّلة، لأن الاشتراك يقع حينئذٍ بين وليه آدم وعدوّه إبليس، ويبطل ما ذكر من تفضيله عليه؛ لبطلان معنى التخصيص، فلم يبق إلا أن تُحمَل على صفتين تعلّقتا بخلق آدم تشريفًا له دون خلق إبليس تَعلُّق القدرة بالمقدور، لا من طريق المباشرة ولا من حيث المماسَّة؛ ومثله ما روى أنه عز اسمه وتعالى علاه وجده أنه كَتَب التّوراة بيده، وغَرَس دار الكرامة بيده لأهل الجنة، وغير ذلك تعلق الصفة بمقتضاها.
قوله تعالى: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ} حُذفت الضّمة من الياء لثقلها؛ أي غُلّت في الآخرة، ويجوز أن يكون دعاء عليهم، وكذا {وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ} والمقصود تعليمنا كما قال: {لَتَدْخُلُنَّ المسجد الحرام إِن شَاءَ الله} [الفتح: 27]؛ علمنا الاستثناء كما علّمنا الدعاء على أبي لهب بقوله: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1] وقيل: المراد أنهم أبخل الخلق؛ فلا ترى يهوديًا غير لئيم.
وفي الكلام على هذا القول إضمار الواو؛ أي قالوا: يد الله مغلولة وغلت أيديهم.
واللعن الإبعاد، وقد تقدّم.
قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} ابتداء وخبر؛ أي بل نعمته مبسوطة؛ فاليد بمعنى النعمة.
قال بعضهم: هذا غلط؛ لقوله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} فنِعَم الله تعالى أكثر من أن تحصى فكيف تكون بل نعمتاه مبسوطتان؟ وأُجيب بأنه يجوز أن يكون هذا تثنية جنس لا تثنية واحد مفرد؛ فيكون مثل قوله عليه السلام: «مَثَلُ المنافِق كالشاة العائرة بين الغنمين» فأحد الجنسين نعمة الدنيا، والثاني نعمة الآخرة.
وقيل نعمتا الدنيا النعمة الظاهرة والنعمة الباطنة؛ كما قال: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان: 20].
وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فيه: «النعمة الظاهرة ما حسن من خلقك، والباطنة ما سَتَر عليك من سيّء عملك» وقيل: نعمتاه المطر والنبات اللتان النعمة بهما ومنهما.
وقيل: إنّ النعمة للمبالغة؛ كقول العرب: «لبيك وسعديك» وليس يريد الاقتصار على مرتين؛ وقد يقول القائل: مالي بهذا الأمر يد أي قوّة.
قال السديّ؛ معنى قوله: {يداه} قوتاه بالثواب والعقاب، بخلاف ما قالت اليهود: إن يده مقبوضة عن عذابهم.
وفي صحيح مسلم عن أبي هُريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ الله تعالى قال لي أَنفِق أُنفِق عليك» وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَمينُ الله مَلأَى لا يَغِيضُها سَحَّاءُ الليلَ والنهارَ أرأيتم ما أنفق مذ خَلَقَ السمواتِ والأرضَ فإنه لم يَغِض ما في يمينَه قال وعَرشُه على الماء وبِيده الأُخرى القَبْض يرفع ويَخْفِض» السَّح الصَّب الكثير.
ويَغيض ينقص؛ ونظير هذا الحديث قوله جل ذِكره: {والله يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ} [البقرة: 245].
وأما هذه الآية ففي قراءة ابن مسعود {بَلْ يَدَاهُ بُسْطَانِ} حكاه الأخفش، وقال يقال: يد بُسطَةٌ، أي منطلقة منبسطة.
{يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} أي يرزق كما يريد.
ويجوز أن تكون اليد في هذه الآية بمعنى القدرة؛ أي قدرته شاملة، فإن شاء وسع وإن شاء قتر.
{وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم} لام قسم.
{مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} أي بالذي أنزِل إليك.
{طُغْيَانًا وَكُفْرًا} أي إذا نزل شيء من القرآن فكفروا ازداد كفرهم.
{وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ} قال مجاهد: أي بين اليهود والنصارى؛ لأنه قال قبل هذا {لاَ تَتَّخِذُواْ اليهود والنصارى أَوْلِيَاءَ}.
وقيل: أي ألقينا بين طوائف اليهود، كما قال: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شتى} [الحشر: 14] فهم متباغضون غير متفقين؛ فهم أبغض خلق الله إلى الناس.
{كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ} يريد اليهود.
و{كلما} ظرف؛ أي كلما جمعوا وأعدّوا شتت الله جمعهم.
وقيل: إن اليهود لما أفسدوا وخالفوا كتاب الله التوراة أرسل الله عليهم بُختنَصَّر، ثم أفسدوا فأرسل عليهم بطرس الروميّ، ثم أفسدوا فأرسل عليهم المجوس، ثم أفسدوا فبعث الله عليهم المسلمين؛ فكانوا كلما استقام أمرهم شتتهم الله؛ فكلما أوقدوا نارًا أي أهاجوا شرًّا، وأجمعوا أمرهم على حرب النبي صلى الله عليه وسلم {أَطْفَأَهَا الله} وقهرهم ووهّن أمرهم فذِكْر النار مستعار.
قال قتادة: أذلهم الله جل وعز؛ فلقد بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم وهم تحت أيدي المجوس، ثم قال جلّ وعزّ: {وَيَسْعَوْنَ فِي الأرض فَسَادًا} أي يسعون في إبطال الإسلام، وذلك من أعظم الفساد، والله أعلم.
وقيل: المراد بالنار هنا نار الغضب، أي كلما أوقدوا نار الغضب في أنفسهم وتجمعوا بأبدانهم وقوة النفوس منهم باحتِدام نار الغضب أطفأها الله حتى يضعفوا؛ وذلك بما جعله من الرّعب نصرة بين يدي نبيّه صلى الله عليه وسلم. اهـ.

.من فوائد الماوردي في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} فيه تأويلان:
أحدهما: أي مقبوضة عن العطاء على جهة البخل، قاله ابن عباس وقتادة.
والثاني: مقبوضة عن عذابهم، قاله الحسن.
قال الكلبي ومقاتل: القائل لذلك فنحاص وأصحابه من يهود بني قينقاع.